حالة من الحزن والتوتر والقلق والإضطراب النفسي والعصبي تنتاب الكثير من الفتيات اللائي تأخر عنهن مجيء من يطلبوهن للزواج، فما إن تبلغ الواحدة منهن سن الخامسة والعشرين إلا وتجدها مكتئبة لا يفارقها الهم والخوف على المستقبل المجهول، والخشية من أن يفوتها قطار الزواج فتقع في قبضة شبح العنوسة المريب الذي يظل يطاردها أينما حلت.. فمجتمعنا الشرقي دأب وللأسف الشديد على ملاحقة كل من تأخر سن زواجها بنظرات العطف والشفقة والتساؤلات والتطفل المؤذي الذي يضاعف الآلام ويزيد الهم همًا!..
تتوق كل فتاة بفطرتها إلى أن تشعر بأنها مرغوب فيها ومطلوبة للزواج، حيث تبدأ بعد بلوغها سن المراهقة وتغيير شكل جسدها ونمو مشاعرها في التطلع عن طريق أحلام اليقظة والتخيل بأن تكون زوجة تأنس بزوجها ويأنس بها، يحتويها ويسقيها حنانًا وحبًا فتبادله نفس الشعور، تحلم أن تكون أمًا لطفل أو أكثر تلاعبهم وتحنو عليهم وترعاهم، تضحك لضحكهم وتحزن لحزنهم، وتسهر على راحتهم وتبذل كل ما في وسعها ليكونوا في أفضل حال وأرقى مستوى تعليمي ثم مهني وإجتماعي مستقبلا.. فهذه سنة كونية وطبيعة بشرية وغريزة إنسانية الحرمان منها يؤدي إلى الشعور بالملل والنقص والوحدة والحزن الذي له آثار سلبية كثيرة على صحتها ونفسيتها وأعصابها وعلاقتها بمن حولها.
إذن، معذورة ومأجورة بمشيئة الله كل من تعاني وتشعر بمثل هذه المشاعر السلبية الناجمة عن تأخر زواجها، لاسيما وأن شعورًا يعتريها أيضًا بأنها صارت عبئا وهمًا ثقيلًا إضافيا على أسرتها وعلى وجه الخصوص أمها التي تحس بالقلق والخوف على مستقبلها إذا ما مرت السنون دون أن تتزوج، حيث تصيبها الحسرة ويسيطر عليها الحزن كلما رأت قرينات إبنتها سواء في العائلة أو خارجها يتزوجن الواحدة تلو الأخرى، ما يجعل هذه الأم وغيرها كثير يلجأن دون وعي إلى سلك مسالك خطيرة الويلات مثل الإستعانة بالشيوخ والدجالين والعرافات لعلاجهن من السحر والحسد، ظنًا منهن بأن هذه الطرق التي يسلكنها تعد من باب الأخذ بالأسباب لتيسير أمر زواج بناتهن!..
وحتى تتخلص كل فتاة من هذه الآلام والمشاعر القاصية، وتتمكن بحول الله وقوته من تغيير واقعها الأليم وتساعد نفسها في فتح باب الخطاب والراغبين فيها، لتختار من أيهم شاءت، أنصحها بالأخذ بالأسباب التالية:
=أولًا: تقوى الله والتقرب إليه بأداء الفرائض والنوافل وفعل الخيرات، فمن يتقِ الله يسهل له الأمور ويمهد له الطرق، وييسر له كل عسير، قال تعالى: {ومَن يتقِ الله يجعل له مخرجا* ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا} [الطلاق:2-3]
فإياك والتنازل عن الإلتزام والإستقامة وشراء عرض الحياة الدنيا بالآخرة، وحذارِ أن تعيري أذنك لمن يعبث بها ويزين لك ما حرم الله مقابل تحقيق ما ترغبين، فكم من فتاة فُتِنت وغرتها الدنيا وزينتها وتنازلت عن حجابها وزيها الشرعي وتصرفت تصرفات لا ترضي الله ورسوله وترفضها الفطرة السليمة ظنًا منها بأنها ستوصلها إلى الزواج!.
=ثانيا: لا تنغلقي على نفسك وآلامك، بل إحرصي على إقامة علاقات طيبة مع الأخوات الفضليات المستقيمات اللائي يساعدنك على الخير والبر والصلاح، فغالبًا ما تثمر تلك العلاقات الصالحة إرشادًا ودلالة عليكِ في محيطهن لتيسير زواجك، فكم من لقاء أو تعارف ببعض الأخوات الصالحات أدى إلى مصاهرة وزواجًا ناجحًا بإذن الله.
=ثالثًا: الحرص على المشاركة في الأنشطة الإسلامية الدعوية والعمل التطوعي الخيرى، فهذه الأعمال الصالحة ستشعرك بذاتك وبقيمتك في مجتمعك، وستؤجرين وتثابين عليها، وربما تفتح لك آفاقًا جديدة وأبوابًا كنت تحسبين أنها لن تُفتَح أبدا.
=رابعًا: إحرصي على الدعاء بأن يرزقك الله بالزوج الصالح والذرية التي تقر عينك وتسعد قلبك وتريح بالك، اسألي الله وأنتِ موقنة بالإجابة ولا تتعجلي، وأحسني الظن بالله فكل شيء عنده مقدر بقدر..
فإلجئي إليه سبحانه بكل إضطرار ولهفة ويقين، وكلما شعرتِ بثقل هذا الهم ووطأة هذه الحال فإرفعي يديك مستغيثة بربك مستجدية إياه، وعليك بصلاة الحاجة، وهي ركعتان نافلتان وبعد السلام تحمدين الله وتثنين عليه وتصلين على نبيه صلوات الله وسلامه عليه، وتسألين الله حاجتك كأن تقولي مثلاً: رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري وفرج كربتي وهب لي من لدنك زوجًا صالحًا يقر عيني، فإنه لا سهل إلا ما جعلته سهلاً وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلًا... فهذا دعاء مباح مشروع وليس هنالك دعاء منصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإجتهدي في الدعاء فقد قال صلى الله عليه وسلم: «ليس شيء أكرم على الله من الدعاء» رواه الترمذي.
الكاتب: هناء المداح.
المصدر: موقع رسالة المرأة.